لقائد والمدير ، أوجه التشابه ونقاط الاختلاف

يعتقد الكثيرون ومنهم بعض اصحاب الرأي والاختصاص، أن القائد والمدير مصطلحان مترادفان . ويتكرر الشيء ذاته في العديد من الدراسات الإدارية، في وقت يستحسن من كتابها التمييز بين هذين المصطلحين، ولو من قبيل التفريق بين ما هو مطلوب من القائد وما هو مطلوب من المدير. ومع أن مهام كل منهما ( القائد والمدير) ربما تهدف في النهاية لتحقيق غاية واحدة، إلا ان أسلوب عملهما يبقى متباينا. ورغم مجادلة البعض في صحة ذلك، فإن الواقع يشير إلى وجود هذا التباين. فالقائد السياسي والعسكري وأصحاب المناصب العليا والواعظ الديني ورؤساء النقابات المهنية والمنظمات الشعبية وحتى رؤساء الجمعيات الأهلية والهيئات غير الحكومية وغيرهم، لا يمكن تصنيفهم على أنهم مديرون ، فهم قادة كل في موقعه. ومن المتفق عليه ان القائد شخص قادر على التأثير في الآخرين وبث الحماس في نفوسهم وتحفيزهم على العمل لتحقيق هدف معين. ولديه استعداد فطري وقدرات خاصة لقيادة الناس والتأثير عليهم ومن صفاته: التمتع بالأخلاق الحميدة والشجاعة والمقدرة على الابتكار والإبداع وكسب المؤيدين، ولديه القدرة على إدراك صورة المؤسسة في أذهان الآخرين.
أما المدير فهو شخص مسؤول عن مؤسسة لها كيان، ولديه صلاحيات إصدار الأوامر والقرارات، مكلف بحل المشاكل داخل مؤسسته، ويعمل بالتعاون مع مرؤوسيه بطريقة تسمح لهم بالاستفادة القصوى من الموارد المتاحة لتحقيق خطة العمل 0 ومن صفاته ( المدير الناجح):
أن يكون ذكيا ، حيويا ، صاحب قرار، مخططا بارعا ، يؤمن أن العمل مع الفريق هو الطريق الأقصر لوصول الهدف، يجيد عملية الاتصال، قادرا على تنسيق الأنشطة داخل المؤسسة ومتفهما لوظائف الإدارة (التخطيط – التنظيم- التنفيذ – التوجيه- الرقابة والتقييم).
ومع وجود هذا التباين في المهام والصفات فإن القائد والمدير يتشابهان في نقاط عدة بل ان بعض المراكز تجعل التفريق بين مهامهما صعبة حيث المطلوب من كل منهما :
- أن تكون لديه القدرة على تفهم الأهداف العامة لمؤسسته وبالتالي رسم السياسة التي تحقق تلك الأهداف.
- أن يؤمن بأن حركة التغيير ضرورة لازمة لتطوير العمل ونجاحه.
- أن يكون متحسسا للمسؤولية، مخلصا في عمله – ولديه القدرات الجسدية والعقلية اللازمة لإنجاز هذا العمل - يضحي بمصلحته لصالح المصلحة العامة حين الضرورة - يتقن مهارات الاتصال ، عنده هدف ورؤية ، ويستفيد من التغذية الراجعة لتعديل أسلوب عمله كلما كان ذلك ممكنا.
- أن يكون متيقنا من أنه يتيح المجال للأشخاص المبدعين لتطوير عمل المؤسسة .
كما ويختلفان في وجوه أخرى لعل أهمها يتمحور حول مصدر القوة وأسلوب العمل ومجال المسؤولية . فمصدر قوة القائد مستمد من قوة شخصيته ومصدر قوة المدير مستمد من أنظمة المؤسسة التي يديرها . أما من حيث أسلوب العمل نرى أن القائد يركز على الخطط الاستراتيجية بينما يهتم المدير بالخطط التنفيذية ، القائد يستطيع كسب الأصدقاء والمحبين بسرعة ، يصنع الأفكار ، يقنع الآخرين بصحتها ويدفعهم لتحقيقها .
أما المدير فيسوس العاملين ، يتفاعل مع التغيير ، ينفذ الخطط ويقيٍم العمل.
القائد يحدد السياسة العامة للمؤسسة ويضع الأهداف ، بينما المدير يقترح السياسة ويدير الأنشطة المحققة للأهداف . يعتبر القائد حارسا للقواعد القانونية ( النظام الأساسي ولوائح العمل) فيما يقوم المدير بالامتثال لتلك القواعد – يحدد القائد النتائج المتوخاة من عمل المؤسسة أما المدير فيحدد وسائل تحقيق تلك الأهداف.
ولكن ما الذي يحصل على الواقع ؟ وهل هناك من تعارض فعلي بين عمل القائد وعمل المدير ؟
في أكثرية المؤسسات التي تعمل بمبدأ فصل السلطات بين مجالس الإدارة والمدير يحصل تشابك بين عمل الاثنين، منه ما هو إيجابي والأغلب سلبي . فمن جهة تعاني بعض المؤسسات من تسلط رئيس مجلس الإدارة ( والمجلس يمثل قيادة جماعية ) على مقدرات المؤسسة فهو الآمر، الناهي ،المخطط ،المنفذ، والقائم - أحيانا –بمهام مدير المؤسسة بحجة ضغط النفقات سيما في المؤسسات الخاصة ،حيث تتشابك الأمور أكثر فأكثر نظرا لكون هذه المؤسسات بغالبيتها عائلية. وبالمقابل نجد في مؤسسات أخرى مديرين لا يعيرون اهتماما لقرارات مجلس الإدارة ويهيمنون على المؤسسة بكل ما فيها ويجعلون من عمل رئيس مجلس الإدارة مجرد مراقب لعمل المؤسسة أو منفذ لقضايا بروتوكولية. وهذا ما يقوض نظام المساءلة حيث يصبح المدير مسؤولا عن نفسه . وتسوء الأمور عندما يتملك الغرور هؤلاء المديرين فيحاولون بالإضافة إلى إبعاد القادة عن المساهمة في اتخاذ القرارات المهمة ، يسعون لإفشال معاونيهم من خلال تركيزهم على قضايا العمل الثانوية ، والتشكيك بقدرات هؤلاء المعاونين من أجل دفعهم إلى خانة الإحباط، ومن ثم استبدالهم بعناصر انتهازية .
ومع هذا الاختلاف بين مهام القائد والمدير ( والقائد هنا ليس بالضرورة فردا ) فإن الاتجاهات الحديثة تحبذ أن يجمع المسؤول ما أمكن بين صفات القائد وصفات المدير فيما أصبح يعرف بالقيادة الإدارية حيث يعتبرها بعض المختصين في شؤون الإدارة الأسلوب الأمثل لكثبر من المؤسسات ، ولكن القيادة الإدارية تتطلب بالإضافة إلى القدرات الذاتية التي يجب أن يتمتع بها المدير القائد ، ميزات أخرى أهمها الكفاءة وفي دول عديدة للكفاءة مقاييس، تطبق من خلال قانون يسمى بقانون الجدارة يخضع له كافة المتقدمين لشغل مثل هذه المناصب .
ومع أن القيادة صفة يلزمها استعداد فطري بينما الإدارة صفة مكتسبة بالخبرة والعمل إلا أنه يمكن الجمع بينهما في كثير من الأحيان , ففي داخل كل منا بذور القيادة وبعضها مؤهل لأن ينمو بصورة تمكن صاحبها من تسلم مهام القيادة في الموقع الذي يشغله ويحقق النجاح الذي يريده ، شريطة إن تتوفر لديه الخبرة والرغبة في العطاء .
وتشير الدراسات إلى أن العديد من المؤسسات المتوسطة والصغيرة اجتازت أزماتها بنجاح من خلال رئيس جمع ما بين قدرات القائد وضوابط المدير، مستمدا سلطته ليس من القوانين والأنظمة فحسب بل ومن الولاء والمحبة.
إلا انه ومع كل ما صدر من أبحاث عن أهمية الجمع بين ميزتي القيادة والإدارة في شخص واحد تبقى القيادة والإدارة مسؤوليتين متباينتين في الأهمية والهدف، وهناك مواقع وظيفية تستلزم الإبقاء على القائد قائدا والمدير مديرا 0وإذا عرف كل منهما وظيفته بصورة صحيحة تصل المؤسسة إلى هدفها. خاصة إذا فهما ان العمل مع الآخرين بفعالية الفريق هو الطريقة المثلى لتحويل الآمال والخطط إلى أفعال ، أما موضوع الفصل ما بين مهام القائد والمدير، فهو ضرورة تقتضيها مصلحة العمل في كثير من المؤسسات التي لديها مجالس إدارة ، وكذلك المنظمات والنقابات